الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يعاملني بقسوة، فما نصيحتكم وتوجيهكم لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة بعمر 20 سنة، والدتي متوفية، لديّ إخوة ذكور أكبر مني، ووالدي من النوع الذي يفضّل الذكور، وعلى الرغم من أنني ابنته الوحيدة، إلا إنه يكرهني، وأرى تمييزًا واضحًا بيني وبين إخوتي، وأصبح لا يطيقني، ودائمًا ما يفرغ غضبه عليّ، لا يحتمل حتى الحديث معي، ولو أردت عدَّ ما فعله بي، فلن يكفي الكلام لذكره، وأبسط الأمور أنه يعطي المصروف لإخوتي الذكور، أما أنا، فإذا طلبت منه شيئًا لا يعطيني إلا بعد شجار وشتم.

أتذكر بعض الليالي التي كنت أستيقظ فيها من البرد، فأجده قد غطّى إخوتي بالبطانيات، بينما أنا لا، وبعد كل هذه المعاناة، بدأت لا أحتمله، مع أنني أكثر من يحبه في البيت، وأكثر من يخاف عليه، على عكس إخوتي الذين كثيرًا ما يعصونه ولا يستمعون إلى كلامه، بينما أنا العكس تمامًا.

لكنني بدأت أشعر بالكره تجاهه، لا أطيق النظر في عينيه أو الحديث معه، أعلم أن هذا لا يجوز، لكنه أكبر من طاقتي، ورغم معرفته بالظروف النفسية التي مررت بها بعد وفاة والدتي، والتي توفيت في حادث مروري، وكنتُ أنا الوحيدة معها في السيارة، وعمري حينها سبع سنوات، لم يساعدني قط في تخطي الأمر.

الآن أسمعه يردد أنني مريضة نفسيًا! أفكر أحيانًا في الانتقام منه، أو أتظاهر بالمرض فقط لجذب انتباهه، ولكن دون جدوى، لذلك فكرت في الهرب أو القيام بأي شيء لنفسي، فقط كي يشعر بقيمتي ويشعر بالندم، وأعلم أن هذا خطأ، ولكن تعبت جدًا، أرجو منكم النظر في حالتي، وإعطائي نصيحة.

وشكرًا جزيلًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

نقدر كثيرًا الظروف التي تمرين بها، ولكن تأكدي أن فكرة الهروب، أو الانتقام لن تحل المشكلة، بل تزيدها تعقيدًا، قد تكون هذه المشكلة فعليًا عند والدك، ولكن يصعب الجزم بها، بعض المواقف لا تدل على كونه يكرهك، أو يفضل إخوتك عليك، قد تكون ردود فعل لمشاكل خاصة لا تعلمينها، ولكن انفعال النفس، وتراكم المواقف، قد يسبب الأحكام المسبقة منك.

من أهم أسباب تأثير هذه المواقف عليك، هو تفكيرك الدائم فيها، فهذا يساعد على زيادة القلق والشعور بالظلم المستمر، وهذا له مردود سلبي على حياتك كلها، وهنا لا بد أن تخرجي من واقعك كضحية إلى بناء نفسك، وتحقيق أهدافك، وتجاوز تلك التصرفات التي تصيبك بالعجز، ويمكن أن تعتبري أباك مبتلى بالتفريق بينك وبين إخوتك، أو بكراهيته لك دون ذنب، أو بتلك الصفات السلبية في التعامل معك، وهنا أنت بين أمور ثلاثة: إما مواجهة والدك بالأمر، وشرح تأثير ذلك عليك نفسيًا وسلوكيًا، أو الصبر على ذلك، والمبادرة بمقابلة الإساءة بالإحسان والمعروف، ابتغاء وجه الله تعالى، أو التعايش مع هذا الواقع بصبر وحزم، والانشغال ببناء نفسك، وإثبات وجودك عبر نجاحات متنوعة، تجعل عائلتك تفتخر بك، أو تشعر بالخجل من تجاهل وجودك وقدراتك وتميزك.

حق الوالدين عظيم وأنتِ تدركين هذا الحق، ومهما كان تقصيرهما في حقك، فلا بد من الصبر والاجتهاد في إصلاح هذا الخلل، أما ردود الفعل الغاضبة والمقاطعة، فلن تصلح شيئًا، بل تزيد التوتر بينكما، وتجعلك الطرف الأكثر خسارة، كونك عاجزة عن الاستقلال بنفسك، أو الدخول في مشروع الزواج، الذي يحقق لك الاستقرار، والخروج من هذا الواقع.

لذلك ننصحك بالحوار مع والدك بالحُسنى والكلمة الطيبة، والاجتهاد في بذل المعروف والإحسان إليه، لعله يلين ويرق قلبه، وفي نفس الوقت تجتهدين على نفسك، بالانشغال بكل ما يرتقي بك نفسيًا وأخلاقيًا وعمليًا، والإكثار من المشاركة في الفعاليات التي تنمي مهاراتك وقدراتك، هذا يخرجك من دائرة التوتر النفسي والشعور بالظلم.

لا تنسي -أختي الفاضلة- أهمية تحسين علاقتك بالله تعالى، والتضرع إليه بالدعاء بإصلاح والدك، والإكثار من الأعمال الصالحات في كل وقت، وذكر الله على كل حال، فالعمل الصالح وذكر الله تعالى يريحان القلب، ويحققان الطمأنينة والسكينة، التي تجعلك تقاومين صعوبات هذا الواقع الذي تعيشين فيه.

وفقك الله ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً