الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يغضب الله مني بسبب مشاعري السلبية تجاه والدي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والدي يعاملني معاملة سيئة، ولكنه يُنفق عليّ، لكن كثيرًا ما يفتعل معي مشاكل بدون أي سبب، أو ربما لأسباب تافهة لا تستحق كل ما يحدث بعدها، وكما يقال: "يعمل من الحبة قبة"، ويتحدث عني بكلام لا يمت لي بصلة، ودائمًا يذكرني أمام إخوتي وأهلي بالسوء، وأنا دائمًا أرى في عينيه كرهًا تجاهي، ولا يبتسم في وجهي أبدًا.

كل هذا بدأ بسبب موقف حصل منذ فترة طويلة، حوالي أربعة أو خمسة أشهر، صحيح كنتُ مخطئًا وقتها، لكن كان هو السبب في انفعالي، وهذا الموقف الذي حدث كان يستدعي ما بدر مني، ومع ذلك اعتذرت له، وتوسلت أن يسامحني، وقبّلت رأسه ويديه وقدميه، وبكيت أمامه من شدة إحساسي بالندم، رغم أنه هو من تسبب بالمشكلة، لكنه لم يقبل اعتذاري.

بعد ذلك كنتُ أبرّه وأسمع كلامه وأطيعه، وأعامله بالحسنى كما أمرني الله، لكنه ظل يعاملني بطريقة غير جيدة، ورغم ذلك واصلت معاملته بالمعروف، والآن في هذا اليوم سمعته يتحدث عني مع عمتي في الشارع بطريقة سيئة جدًّا، وينسب إليّ صفات لا تمت لي بصلة.

عندما أكلمه في أي شيء -حتى لو كان حديثًا عاديًا- يقول لي: "الله يصبرني على هذا الابتلاء"، وكأنه يرى أن الله خلقني فقط ليبتليه بي! لكن والله يعلم أني لستُ ابتلاءً، بل أنا أطيب شخص في هذا البيت، وأحب كل أهل البيت باستثناء والدي؛ لأني رأيت منه الكثير من المواقف التي أوغرت صدري نحوه، وفي مرة رفع السكين على رقبتي، وهناك مواقف كثيرة مشابهة.

وبسبب هذه التراكمات انفعلتُ وقلتُ له كل ما في قلبي، وقلت له: (لا أحبك، وأبادلك نفس شعورك تجاهي)، لأنه كثيرًا ما يقول لي: (أنا منقرف منك، أقرف من شكلك، لا أطيقك، لا أطيق المكان الذي تجلس فيه)، وهو لا يقصد النظافة الشخصية، لأني -والحمد لله- أتحمم كل يوم وأتنظف، فالمشكلة ليست في النظافة.

أنا متعب جدًّا، لقد سبَّب لي مشكلات نفسية كثيرة، والله، لقد حاولتُ مرارًا الجلوس معه حتى نتصافى ونحلّ مشكلاتنا، وتكون علاقتنا كأبٍ وابنه علاقة طيبة، لكنه يرى نفسه دائمًا على صواب، ويعتقد أنه من الطبيعي أن يُحمّلني فوق طاقتي، وأنه يجب عليّ أن أتحمّل ذلك، لكن -والله العظيم- لقد تعبت منه كثيرًا، وقلبي يؤلمني ويتألّم من معاملته التي لا أجد لها أي مبرر.

سؤالي الآن: في ظل هذه التجربة الصعبة، ما الذي يريده الله مني ومن والدي؟ وهل مشاعري المضطربة هذه تحجب استجابة دعائي وصلاتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عاصم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب.

نُقدِّر الوضع الذي تعاني منه، ونسأل الله أن يرزقك الصبر والرشاد، وحسن التصرف في ظل هذا الوضع الصعب.

أخي العزيز: التعامل مع الأب القاسي يحتاج إلى حكمة وصبر، واحتساب الأجر عند الله تعالى، فمهما كانت قسوة الأب، فله حق الإحسان والمعروف، لذلك، ننصحك ببعض الأمور في التعامل معه:

أولًا: تجنب الرد والانفعال في لحظات الخلاف بينكما، حاول الصمت والاستماع والتأكيد على ما يقول، فهذا الفعل يقلل من حدة الغضب وردود الفعل الشديدة بينكما.

ثانيًا: ابحث عن أفضل الأوقات التي تكون فيها الأجواء بينكما هادئة، وتحدث معه في مواضيع تعلم أنها تجذب اهتمامه ويتفاعل معها، ليدخل معك في حوار يحبه ويألفه، هذا الحوار مهم جدًا، فمع الوقت والتكرار تقل حالة التوتر بينكما.

ثالثًا: تغيَّب عن المنزل بعض الشيء -إن استطعت-، كأن تذهب في إجازة لأيام، أو تسافر لمكان لعدة أسابيع، أو تلتحق بدورات علمية أو نحو ذلك، فالملازمة الدائمة لوالدك في ظل هذا الخصام تزيد من ردود الفعل السلبية، وتجدد التوتر بينكما، لذلك، الأفضل أن تنقطع لفترة لتضعف حدة التوتر، ويحدث انقطاع وتشتيت لمسببات الخصام بينكما.

رابعًا: ابحث عن العقلاء داخل أسرتك ومن تثق بهم، ومن لهم مكانة عند والدك؛ للتحدث معه عن تأثير تلك التصرفات تجاهك، فقد يكون جاهلًا بمدى تأثير تلك الألفاظ وحساسيتها في نفسك.

خامسًا: اجتهد في البحث عن مفاتيح القلوب، فلكل قلب مفتاح يمكن الوصول إليه من خلاله والتأثير فيه، فيمكن أن تقدم له هدية، تثير في نفسه التعاطف تجاهك، ويمكن للمال أو قضاء حاجة مهمة أن يغير المواقف، ويمكن للإحسان والمعروف أن يحدث تغييرًا مع الوقت، فبادر إلى البحث عما تراه مفتاحًا لقلب والدك، واجتهد في الإحسان إليه قدر استطاعتك.

سادسًا: ابحث عن الدوافع والأسباب التي تسبب هذا التوتر وتجنبها، فقد تكون هناك مواضيع محددة، أو مواقف متكررة، أو مخالفة لتوجيهات، أو ممارسة سلوكيات بمجرد الاقتراب منها تتحرك المشاكل، وتبدأ الأصوات في الارتفاع، لذلك، من الأفضل أن تبتعد عن كل ما يثير موجات غضب والدك، وما يسبب الخصام بينكما.

سابعًا: الانفعال النفسي الشديد الذي تعيشه تجاه هذه المشاكل، جزء كبير منه بسبب الفراغ في حياتك، فلو أن انشغلت بتحقيق أهداف معينة، أو تنمية مهارات مختلفة، ستجد عقلك وقلبك ينشغل بها أكثر من انشغالك بما يصدر من والدك، أو على الأقل يقلل من حدة تأثيرها عليك، فصاحب الأهداف والطموح ينظر لمثل هذه الأحداث، على أنها عوائق ضرورية أمام تحقيق النجاح الذي يسعى إليه، لذلك يجتهد في التغلب عليها، والخروج منها بآثار إيجابية، فمواجهة المشاكل الدائمة تجعلك تُضخِّم المواقف البسيطة بشكل مبالغ فيه، أو تجعل رد فعلك أكثر مما ينبغي.

أخي الكريم: مواجهة الأب بكلام لا يليق، أو الغضب في وجهه، أو التلفظ بسيئ القول أو الفعل، ليس من البر والإحسان الذي حث عليه الإسلام، ويتصف به المسلم الصالح، كما أن الصبر عليه والدعاء له، ومقابلة الإساءة بالإحسان، هي من أعلى مقامات البر، ولها أجر عظيم عند الله تعالى.

أخيرًا: نفسيتك مهمة فلا تهملها، ولا تبقَ حبيس هذه الصراعات النفسية، والتفكير فيها طوال الوقت، اجعل لنفسك أهدافًا وطموحات تسعى لتحقيقها، اخرج من ملازمة والدك، والتقِ بالآخرين وتفاعل معهم، حتى لا تشكل هذه الضغوط -مع الوقت- اضطرابات نفسية تعيق حياتك ومستقبلك، اجعل لنفسك قدرًا كبيرًا من الطاعات، وما يغذي روحك من الأعمال الصالحة، كالإكثار من الدعاء، وذكر الله تعالى، ومجالس العلم والمواعظ، وحفظ القرآن، والانشغال بما يبني روحك وقلبك وحياتك، فكل هذا يساهم في خروجك من دائرة القلق والضغط النفسي.

نسأل الله أن يوفقك للخير ويعينك عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً