الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحتاج إلى الزواج وأهلي لا يعينونني، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في الحقيقة لا أعرف ما الذي يجعلني حزينًا في حياتي، فمنذ سنة بالتحديد كنتُ شخصًا مختلفًا، وكلي طموح ومثابرة على تحقيق مشروعي، ولدي يقين أني سأصل -بإذن الله-؛ لأني أريد أن أتزوج، فمعي عون إضافي عن أي شخص عادي، وأنا أشتغل على نفسي دراسيًا، وأستمع للدروس، وإلى حد ما هناك تقدُّم كبير، فالمشروع لو كانت به مشكلة بالصبر واليقين سأصل، ولو اضطررت لتغييره فسأغيره، وبنفس اليقين.

كنتُ أبحث عن أسرة متدينة لأتقدم لهم، ولما كلمت أهلي حصلت مشادات كبيرة، لأني كنت ملتزمًا، ويظهر من كلامي أني أستمع لكلام الشيوخ، فكان هناك قلق من سلوك التطرف على حد نظرتهم.

المشروع توقف، وأنا بدأت أقلل من مشاهداتي للشيوخ، أو أتفرج عليهم سرًا، حتى يهدأ أهلي، ووقعت في ذنوب الخلوات، وغض البصر ضعف، وأحس بحزن من كليتي، رغم أنها كلية يتمناها الناس -كما قالوا-.

عندما أقرأ عن اثنين متحابين أبكي، وتوقفت عن الدعاء بالزواج لكي أقلل من اهتمامي بالموضوع.

ليس لي أصدقاء مقربون أتكلم معهم، والكلية كلها ضغوط، إلى أن كرهتها، وأحس أنها لا تستحق.

أنا لا أريد المال، ولا هو موضوع جنس، أنا أبكي لأني أذنب، أبكي لأني أعرف أني سأُحاسب، لأني أرى شبابًا بشهادة الإعدادية يعملون في أماكن، ويأخذون مرتبًا مثل الذي سآخذه بعد الكلية بأربعة أضعاف.

أريد أن أبتعد عن الحرام، وحتى الحرام لا يُشبع -أقصد إطلاق البصر- عندما أفعله أحس أني خسرت الدنيا والآخرة، أحس أني ضعيف أمام نفسي.

هل من المعقول أن الزواج يجعلني أبكي؟ ما الذي في الدنيا كلها يستحق ذلك؟ عندما فشل المشروع، وكل شيء كنت أعمل عليه ضاع -للأسف- جاء في نفسي: أين وعد الله؟ وعلمت أن وعد الله ليس شرطًا أن يأتي في الوقت الذي أريده، أهلي قادرون على تزويجي، ولكنهم يماطلون في البحث عن كاملة الأوصاف، رغم أني طلبت منهم مرارًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الدكتور أحمد- في موقعك إسلام ويب، ونحن نسأل الله تعالى أن يعطيك حتى يرضيك، وأن يبارك فيك، وبعد:

حديثك ينُمُّ عن شخصية متدينة، حريصة على دينها، وعلى إرضاء خالقها، لكن تداخلت عندك بعض المسائل، فأنتجت ما سميته أنت بالحزن، ولو فككت هذه القضايا، لعلمت أن الأمر طبيعي جدًّا، لكنه يحتاج إلى تعامل حذر، وفق خطط منهجية:

أولًا: الشهوة لا تموت بالحرام، بل تنمو وتتضخم، وعلاجها بأربعة أمور:
1- زيادة التعلق القلبي بالله، والمداومة على الوضوء، مع المحافظة على الأذكار.
2- ممارسة الرياضة.
3- الابتعاد عن الفراغ، وخاصة الفراغ الفكري، لأن ساحة الشيطان الخلفية التي يثيرك فيها، ويدفعك دفعًا إلى مشاهدة ما حرم الله، أو على الأقل التفكير فيها، هي وجود الفراغ.
4- الصحبة الصالحة، لا بد من صحبة صالحة لك من أهل المساجد وأهل الفضل والعلم، تستعين بهم على مواجهة شهوتك.

ثانيًا: الدنيا دار ابتلاء وكدر، والإنسان فيها لا بد أن يُبتلى، فأنت مثلًا مُبتلى بما قد ذكرت، وغيرك طالب في الجامعة لكنه مُبتلى بالفقر واليُتم، وهو أحسن حالًا ممن لم يستطع دخول الجامعة أصلاً، مع القدرة العقلية، والأخير أحسن حالًا ممن ابتُلي بمرض الكلى، ويحتاج إلى الذهاب أسبوعيًا للغسيل، وهكذا لو استطردنا، لعلمنا أننا في نعمة وعافية، مقارنة بهؤلاء، إيمانك بهذا يُطمئنك ويجعلك صابرًا مُحتسبًا.

ثالثاً: وعد الله لا يُخلف قط، والدعاء مُستجاب لا محالة، لكن بمراد الله، لا بمرادك، وكل قضاء الله لحكمة، وقد قال بعض أهل العلم: (لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبًا ليأسك، فالله قد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد).

رابعاً: غياب الأهداف الكبرى يجعل الأهداف الصغرى أكثر أهمية، وتفكيرك اليوم في الزواج مشروع وهدف ومقصد حسن، لكن لم يحن أوانه بعد، وأنت لا تزال طالبًا، وكلها أشهر قليلة -أو على الأكثر عامان- وتتخرج، ومن ثم تتغير الأمور، لذا أشغل نفسك بالهدف الأكبر، كيف تكون أعظم طبيب لتداوي جراح المسلمين، إرضاءً لله عز وجل، هذا هو الهدف الأسمى لك -يا دكتور- فلا تنظر إلى من هم أدنى منك، فأفقر الناس من لا يملك سوى المال.

وفي النهاية: نحن في صراع في هذه الدنيا، والله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، ويقول: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، فاصبر واحتسب، وانهض، وضع أهدافًا كبرى، وجدولاً مرنًا لتحقيقها، ساعتها ستختفي أكثر مشاكلك -إن شاء الله-.

وفقك الله تعالى، وكتب أجرك، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً