الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع سلوك أختي المؤذي دون الدخول في نزاعات؟

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

بعد وفاة والدي بسنتين، تزوجتُ وقمتُ ببناء طابق فوق بيت العائلة؛ حتى أكون قريبًا من والدتي، وأساعدها فيما تحتاج إليه.

والمشكلة تكمن في أختي الصغرى المتزوجة، التي تأتي كل سنة لزيارة والدتي، وخلال زيارتها تقوم بإهانة والدتي لفظيًا وإرهاقها نفسيًا وماديًا، حيثُ خصصنا مبلغًا من أموال العائلة ليكون مصروفًا لوالدتي، لكن أختي ترى أن لها حقًا في هذا المبلغ.

في آخر زيارة لها نصحتُها بأن لا تسبَّ ولا تهين والدتي، لما يترتب على ذلك من إثم وعواقب أخرى، لكنها قامت بسبِّي وإهانتي، وقالت: إن علاقتي بوالدتي قائمة على مصلحة خاصة بي، وإنها لا تحب أن تأتي إلى بيت العائلة بسببي وبسبب والدتي، وإنها جاءت هنا لقضاء العطلة مع أولادها في حصتها من ميراث والدي، وإن لها الحق في المكوث في بيت العائلة، علمًا بأننا لم نتطرق لموضوع مجيئها، ولم نقل لها أي شيء يسيء إليها، ولم نمنعها من المجيء إلى بيت العائلة، بل على العكس، نحن نرحب بها، ونسأل دائمًا عن موعد قدومها إلينا؛ لأنها تعيش في مدينة أخرى.

وقامت بتحريض أختي الصغرى عليَّ وجعلتها في صفها، وأنا جالس أتفرج على ما يحدث أمامي، ولم أقل شيئًا لأدافع عن نفسي، فقط قمت بالذهاب إلى بيتي، وعندما أجلس معهم يقومون بإهانة زوجة أخي الكبير في غيابهم، وعندما يجلسون مع أخي الكبير، يقومون بإهانة زوجتي، وفي آخر جلسة قاموا بإهانة زوجتي، ولكنني لم أقل شيئًا، فقط حمدت الله على كل شيء.

عادةً بعد إهانة زوجة أخي يأتي أخي وزوجته ويجلسان معها، ويخرجان معها، كأن شيئًا لم يكن، فقلت لأخي أن يحذر ممَّا يكيدان، وأن يوصي زوجته بأن تحفظ لسانها معهم، ولا تخبرهم شيئًا عن حياتها معك، فقام أخي بإبلاغهم بما قلت له، فزاد ذلك الطين بلة، وأصبحتُ منبوذًا بينهم، وأصبحتُ أنا على حدِّ قولهم "الفتّان".

والآن أنا لا أكلمهم وأتحاشاهم بشكل تام، حيث إن والدتي قد سافرت، وهم ما زالوا في بيت العائلة، ولا أريد أن أقع في مشاكل عائلية معهم، ولكنني ما زلت محافظًا على بر والدتي وأساعدها، وأتصل بها للاطمئنان عليها.

فماذا يجب علي أن أفعل؟ لا أريد أن أكون قاطع رحم، ولا أريد أن يؤذوني بكلامهم لأني شخص عصبي بطبعي، ولكن بعد وفاة والدي قمت بتهذيب نفسي -ولله الحمد والفضل-، وعندما أرى أنني أتجه للغضب، أقوم وأغادر المكان حتى تهدأ نفسي، وأنسى ما حصل، وأعود بنفسية نظيفة وهادئة، وأنا أعلم يقينًا أنهم سيقاطعونني، وسيرمون كلامًا لاستفزازي، ولذلك لا أريد أن أتواصل معهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يزن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونحيي وفاءك للوالدة، وحرصك على إسعادها، ونسأل الله أن يرحم والدكم وأمواتنا وأموات المسلمين، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

وأرجو أن تعلم أن إدارة الأخوات تحتاج مِنَّا إلى صبر، فالأخوات يفكرنَ دائمًا بطريقة عاطفية، ولذلك ينبغي أن يكون ذلك في البال، وأرجو أن تكون أنت وشقيقك بمثابة الآباء لهن، فهنَّ بحاجة إلى رعاية، وبحاجة إلى اهتمام، وبحاجة إلى عطف، واعلم أن وصية النبي ﷺ توجهت لرعايتهنَّ، فقال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) وقال: (أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ)، ورغم الكلام الجارح الذي يمكن أن يصدر من الأخوات والإساءة التي يمكن أن تحصل؛ إلَّا إن المرأة تظل هي الطرف الأضعف، والطرف الذي يحتاج إلى رعايتنا واهتمامنا.

ولذلك أرجو ألَّا تأخذ الأمور أكبر من حجمها، كما أرجو أن تعرفوا أن ما يحدث من كلام من خلفكم أو من خلف الأخ -يعني فيما يتعلق بالنساء- أو أمامكم؛ هذا كلّه من طبع النساء، المطلوب فيه التذكير بأن هذا لا يجوز، وبأننا نُعطي حسنات تعبنا في تحصيلها للآخرين، وأن الإنسان الذي عمل أعمالًا صالحة ينبغي أن يحافظ عليها.

يعني يكون النصح من ناحية شرعية، سواء الكلام على زوجتك أو زوجة أخيك، أو أي امرأة تمشي على وجه هذه الأرض؛ فإن النساء إذا اجتمعن يكثر بينهنَّ هذا الحديث، وهذا من الإشكالات الكبيرة التي ينبغي أن نتخلص منها في مجالسنا؛ لأن الغيبة والنميمة هذه من الذنوب المركبة، التي لا تكفي فيها حتى التوبة -عياذًا بالله-، لأن التوبة تغفر الجانب الذي هو لربِّنا العظيم التواب الرحيم، ولكن حقوق الناس تبقى؛ لأنها على المشاحة.

ولذلك أرجو أن يكون النصح في هذا الجانب بالطريقة التي ذكرنا؛ لأن هذا لا يجوز من الناحية الشرعية، بصرف النظر عن الكلام الذي قالوه، أو تكلموا به، أو يستحق أن يتكلّموا عنه أو لا، كلُّ ذلك من تزيين الشيطان؛ لأن الشيطان يأتي للمغتاب يقول: "أنت ما تقول إلَّا حقًّا"، ولكن الغيبة هي ذكركَ أخاك بما يكره وهو غائب، فكل ما نذكره وما يكرهه الناس في غيابهم هذا يُعتبر غيبة، كما أن نقل الكلام على وجه الإفساد أيضًا هو النميمة، والإنسان إذا سمع كلامًا طيبًا ينبغي أن ينشره، وإذا سمع كلامًا خبيثًا ينبغي أن يدفنه، وينصح لهذا الذي يتكلّم بالكلام الخبيث.

ولذلك ما فعله الأخ لم يكن صحيحًا، ولكن نتمنَّى أن يُصحح هذه المسألة، فإذا ذكرنا عيب إنسان فينبغي أن نذكر إيجابياته، ونتمنّى أن تجتهد في تلطيف الأجواء، ونشكر لك هذه الطريقة التي تخرج معها إذا غضبت، وهذا علاج شرعي، ومطلب شرعي، أن يتجنب الإنسان ما يزيد التوتر، ولكن من المهم أن تبقى شعرة العلاقة والاهتمام، فواصل الاهتمام بأخواتك، وواصل إنصافهنَّ، وحاولوا دائمًا أيضًا أن تضعوا نقاطًا واضحة في أمر الميراث، بأن تُراجعوا الجهات الشرعية، حتى يعرف كل إنسان ما له من الحقوق وما عليه من الواجبات.

أمَّا بِرُّك بالوالدة، فأرجو أن تُنافس عليه، وتُسابق عليه، ونشكر لك استمرارك في البر، وحرصك عليه، ونحب أن نقول: هذه صلة رحم، وهي لا تدوم إلَّا بنسيان المرارات والصبر على الجراحات، وما حصل من الأخ يُنبهك إلى أن الإنسان ينبغي أن يحفظ سرَّه، فإذا أذاعه يُصبح هذا ملْكًا لغيره، ونسأل الله أن يُعينكم على الخير.

وأرجو طي هذه الصفحات، والتوقف عن معاتبة الأخ على الذي حدث، وانتبه في المستقبل، واجتهد في الإحسان إلى أخواتك، واعلم أن النساء ينسين مثل هذه المواقف، ويمكن أن تُسيء الآن ثم تستمر العلاقة، كما أشرت لذلك، أنها تفتعل مشاكل لكنها تمارس حياتها وأنتم معها.

هذا الذي ينبغي أن تحرصوا عليه، تصبروا على بعضكم؛ لأن هذا من بر الوالد، وتصبروا على بعضكم؛ لأن في هذا إسعاداً للوالدة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً