أسباب وعلاج نوبات الهرع الشديد
2025-04-30 02:36:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أشكر سيادتكم على ما تبذلونه من جهد، جعله الله لكم في ميزان حسناتكم.
أبلغ من العمر 29 سنة، متزوج ولي طفل، ومنذ 7 سنوات توفي والدي إثر أزمة قلبية؛ فقد كان يعاني من أمراض القلب، وبعد الوفاة بثلاثة أشهر، وأثناء زيارتي له في المقابر، انتابتني حالة خوف شديدة، حتى إنني أصبحت أجري من المقابر إلى المنزل، وأنا في حالة غير طبيعية.
بعد هذه الحادثة بدأت في الذهاب إلى الأطباء من جميع التخصصات، فمنهم من كان يعطيني دواء مما أشكو منه، ومنهم من كان يقول: إنها حالة نفسية، وكنت غير مقتنع بأنها حالة نفسية، وبعد ذلك قررت الذهاب إلى طبيب نفسي، وأصبحت من الزبائن الدائمين لدى عيادات الأطباء النفسيين، فكلما سمعت عن طبيب ذهبت إليه، أينما يكون مكانه! أخذت مهدئات ومضادات اكتئاب، حتى إنني أظن أنه لا يوجد دواء نفسي لم أتناوله، فمنهم من أعطاني دواء سبب لي إغماءً، وآخر سبب لي نومًا بشكل غير مقبول، حتى أصبح عندي خوف من كل الأدوية وآثارها الجانبية.
منذ ثلاث سنوات ذهبت إلى طبيب، كتب لي دواء اسمه سبراليكس، كانت الجرعة هي نصف قرص 10 مليجرام لمدة أسبوع، ثم قرص لمدة عام، ثم نصف قرص لمدة شهر، وبعد ذلك توقفت عنه، وأوضح لسيادتكم أنه بعد حوالي أقل من شهر، بدأت أتحسن بشكل ملحوظ، حتى إنني تقريباً شفيت من المرض، فبعد التوقف عن الدواء، كانت تأتيني نوبات الهلع -كما شخصها الطبيب لي- على فترات متباعدة، وبدرجة أقل بكثير من بداية المرض.
مشكلتي الحالية بدأت منذ حوالي 4 أشهر، بدأ يعاودني المرض من جديد! في البداية أحسست بضيق في التنفس، وذهبت إلى أطباء أمراض الصدر، وشخصوها بأنها حساسية صدر، وأخذت موسعات للشعب الهوائية ولم أجد فيها راحة، ولا جدوى من العلاج، وكل هذا محاولة مني لقناعتي بأن هذا هو مرض فعلاً في صدري، وأنه لا علاقة له بمرضي النفسي القديم، فظننت أنه قد انتهى، ولكن بعد معاودة النوبات بعد ذلك، على فترات متباعدة وبدرجة -الحمد لله- أقل بكثير من التي كانت قبل ذلك، وكان يتخللها حزن، وقلق في المزاج، وضعف مجهود، بدأت ألتفت إلى المرض القديم، واشتريت سبراليكس من جديد، وتناولته بنفس الجرعات السابقة، وأنا مستمر عليه منذ حوالي ثلاثة أسابيع، واستفساري الآن هو:
1- هل أتناول الدواء من جديد؟ وما هي الجرعة السليمة؟
2- هل سيظل هذا المرض يطاردني وليس له من نهاية؟ لأنني حزنت بعد معاودته لي من جديد.
3- كيف الوقاية من هذا المرض؟
4- ما هي المدة التي يجب الاستمرار عليها؟ وما هي أضرار هذا الدواء؟
أنا -الحمد لله- ملتزم، ومحافظ على صلاتي، وقد منّ الله علىّ بحفظ كتابه، وكل ما أريده هو أن توجهوني إلى الطريق الصحيح، للتغلب على هذا المرض، فأنا الآن تنتابني حالة ملل من الذهاب إلى الأطباء، وعملي يستوجب اليقظة، ويعاب فيه مجرد الذهاب إلى طبيب نفسي، مع علمي الكامل أن الذهاب إلى الطبيب النفسي ليس من العيب، ولكن هذا هو الواقع.
لكم جزيل الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن النوبة التي انتابتك في الأول، من الواضح أنها نوبة هرع، أو ما يسمى بالاضطراب الفزعي، وربطت بزيارة القبور، ويظهر -وبما لا يدع مجالاً للشك- أنه في الأصل لديك استعداد وقابلية لمثل هذه النوبات القلقية الحادة، وكانت زيارة القبور هي النقطة التي أدت إلى انطلاق هذه النوبة الحادة.
يعرف تماماً أن نوبات الهرع أو الرهاب، دائماً تكون لديها روابط، وهذه الروابط في بعض الأحيان تكون صغيرة جدّاً وغير ملحوظة، ولكن في حالتك الرابط واضح جدّاً، وهو وفاة الوالد، ثم زيارة القبور.
أرجو أن لا تعتقد أن هذا دليل على ضعف في شخصيتك، أو قلة في إيمانك، هذه حالة نفسية بسيطة -إن شاء الله-، والاستعداد التكويني والغريزي والنفسي والوجداني لديك متوفر، وهذا جزء من بنائك النفسي، فأرجو أن لا تعيب نفسك في ذلك؛ لأن الإنسان بمرور الزمن يتطور نفسياً، ويستطيع أن يتحمل مثل هذه المواقف.
للإجابة على أسئلتك المحددة، فأولاً: أقول لك: إن العلاج الدوائي علاج مهم وضروري جدّاً، والسبب في ذلك أن دراسات كثيرة جدّاً، أشارت أن قلق الرهاب -والهلع بصفة خاصة- مرتبط بتغيرات كيميائية وبيولوجية في الدماغ، وهذه التغيرات يصحح مسارها بتناول الأدوية، وعقار سبرالكس يعتبر هو الأفضل، وهذا الدواء -بفضل الله تعالى- غيّر حياة الناس كثيراً، ويتميز أيضاً بأنه من الأدوية السليمة جدّاً، وجرعته مختصرة وهي حبة واحدة في اليوم، وتناولك للدواء مرة أخرى قرار سليم وصحيح، وحكيم في نفس الوقت، ومن الجيد أنك قد سألت عن الجرعة؛ لأن هذا مهم.
معظم الذين تأتيهم الانتكاسات لا يلتزمون بالجرعة الصحيحة، أو بالمدة المطلوبة، والعلاج يُقسم إلى جرعة بداية، ثم بعد ذلك تأتي الجرعة العلاجية، ثم تأتي الجرعة الوقائية، ارفع الجرعة إلى 10 مليجرام، واستمر عليها لمدة أسبوعين آخرين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى 20 مليجرام ليلاً -يفضل تناول الدواء بعد الأكل-، وهذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة، ويجب أن تستمر عليها لمدة 6 أشهر، وهذه ليست مدة طويلة؛ لأن هذه هي النوبة الثانية بالنسبة لك، إذا تجاوزنا النوبات البسيطة التي حدثت ما بين النوبتين.
بعد انقضاء الستة أشهر خفض الجرعة إلى 10 مليجرام، واستمر عليها لمدة عام، وهذه أيضاً ليست مدة طويلة أبداً، بعد ذلك خفض الجرعة إلى نصف حبة (50 مليجرام) يومياً لمدة شهر، ثم 5 مليجرام يوماً بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم يمكنك التوقف عن تناول الدواء.
المرض -إن شاء الله تعالى- لن يظل يطاردك ما دمت تتناول العلاج، وما دمت طبقت الإجراءات السلوكية الأخرى، ومن أهمها أن تعرف أن هذه الحالة حالة قلقية بسيطة.
ثانياً: يجب أن تتجنب ما يُسمى بالقلق التوقعي، بعض الناس يتوقع دائماً أن القلق سوف يأتيه، وهذه دعوة مباشرة للقلق بأن يأتي، إذن تجنب ذلك بقدر المستطاع.
ثالثاً: يجب أن تعيش حياتك بصورة طبيعية جدّاً.
رابعاً: يجب أن تدرب نفسك على ما يعرف بتمارين الاسترخاء، ويمكنك الحصول على كتيب، أو شريط، أو سي دي من المكتبات الكبرى، ليوضح لك كيفية ممارسة هذه التمارين، فهي مفيدة وفعالة جدّاً لإجهاض نوبات الهرع.
خامساً: عليك -كجزء من الوقاية من هذا المرض- أن تذهب مرة أخرى وتزور القبور، لا تتجنب ذلك، وطبق ما ورد في السنة المطهرة في هذا السياق؛ لأن التجنب دائماً قد يجعل الحالة كامنة في داخل الإنسان.
إذن هذه هي الأساليب العلاجية والأساليب الوقائية، وبالنسبة لمدة تناول الدواء قد أوضحتها لك.
أما بالنسبة لأضراره فأقول لك: الدواء ليس له أي أضرار، ولكن لديه آثار جانبية، منها أنه ربما يسبب سوء في الهضم في بداية العلاج، لذا ننصح أن تكون البداية جرعة صغيرة، ويتم تناوله بعد الأكل، وأظنك قد تجاوزت هذه المرحلة -بفضل الله تعالى-.
ثانياً: ربما يؤدي إلى زيادة في الوزن بنسبة بسيطة عند بعض الناس، وهذا يحصل أيضاً في الثلاثة الأشهر الأولى من بداية العلاج، وبتنظيم الطعام وممارسة الرياضة يمكن ألا تحدث هذه الزيادة في الوزن، أو على الأقل سوف تتوقف.
ثالثاً: هذا الدواء ربما يؤدي إلى تأخر بسيط في القذف، والإنزال المنوي لدى بعض الرجال، وهذه قد تعتبر ميزة إيجابية للذين يعانون من سرعة القذف، ولكن في كل الأحوال، الدواء لا يؤثر أبداً سلباً على خصوبة الرجل أو على ذكورته.
رابعاً: الدواء أحد مميزاته الطيبة -التي لا بد أن أذكرها- أنه غير إدماني، كما أن تناوله مع أي دواء آخر لا يسبب أي تفاعلات سلبية، وهذا من أكبر مميزات السبرالكس.
أنا بالطبع سعيد جدّاً، وقد شرح صدري عندما قرأت أنك حافظ لكتاب الله، فأسأل الله لك المزيد، ولا شك أنه بذكر الله تطمئن القلوب، وأسأل الله لك العافية والشفاء، وأتفق معك تماماً أنه لا داعي أبداً من الإكثار من التردد على الأطباء، فالأمر بسيط وواضح.
وختاماً: نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.
وبالله التوفيق.