الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يحسن معاملة الناس ويسيء معاملتي، فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زوجي معروف بين الناس بأخلاقه الحميدة، وكرمه الواسع، وقلبه الطيب، وهو كذلك بعون الله، وأنا زوجة أسعى دائمًا لإرضائه، وجعله سعيدًا، وأفعل ما يحب ويرضى، وإن كان ذلك يتنافى مع رغباتي ومشاعري، ولكن لا تخلو حياة زوجية من مشاجرات، حتى بين الأزواج ذوي الأخلاق الطيبة.

في كل مشكلة تحدث يبتعد دائمًا، حتى لا تتفاقم الخلافات، وعند الصلح لا يتحدث أبدًا عن الخلاف، أو يضع قاعدة أو قانونًا لتجنب تكرار هذا الخلاف.

أقول له: "تعال نتفق حتى لا تتراكم الخلافات دون حل"، ولكنه يرفض دائمًا، وإذا أصررت على ذلك، ينشب خلاف آخر.

علمًا بأني دائمًا أُبادر بالصلح، حتى لو كان هو المخطئ، وهو يقول لي: "يصعب عليّ أن أقول: آسف"، ولا يعترف بخطئه معي أبدًا.

بقيت على هذا الحال 7 سنوات، والآن حدث خلاف بيني وبينه، ولا يريد أن يعترف بأن الحق معي، أو يتراجع عن خطئه، بل على العكس، في كل خلاف يترك المنزل ليلًا ونهارًا، وينام عند والدته، ويتركني أنا والأطفال.

علمًا بأن أطفالي ثلاثة وهم صغار، وعندما أقول له: "أرجوك عاقبهم واصرخ فيهم على ما فعلوه"، بل على العكس، يضحك معهم، ويقع على عاتقي التربية والتعليم، وكل شيء في المنزل، ولا يتدخل في شيء سوى توفير المال والأغراض قدر المستطاع.

دائمًا يعطي المال لأمه وإخوته، وأنا أكون بحاجة لأشياء لي وللأولاد، ويقول لي: "ليس لدي مال"، وعندما أحتاج لشراء شيء، يقول لي: "عندما يتوفر ثمنه مرتين أعطيكِ، لأنه يجب أن أشتريه لأمي قبلكِ"، وأنتظر، وأحيانًا يكون الانتظار مضرًا لي، وأحيانًا يقول لي: "ليس معي نقود"، ويكون مدخرًا مبلغًا من المال يرسله لأخيه المتزوج في الغربة.

كل هذا لم أكن أهتم به، ودائمًا من باب المزاح يتركني أمام ضيوفنا، ويقول لهم: "إنه يريد أن يتزوج، ويأتي بزوجة أخرى، لأن الله شرع له مثنى و...إلخ".

أنا الآن ضقت ذرعًا، وأشعر بالاكتئاب والإحباط، وأشعر بأنه لا يهتم بي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الجنة مطلبي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:

قد سرتنا رسالتك، وفهمك لطبيعة الحياة الزوجية، وأنها لا تقوم على المثالية، بل هي حياة كأي حياة لا بد فيها من كدر وابتلاء ونقص هنا ونقص هناك.

ولو كان ثمة بيت خال من المشاكل لكان بيت النبي ﷺ، فهو أطهر بيت عرفته الدنيا، وصاحبه أفضل بشر خلقه الله تعالى، وأزواجه أفضل نساء هذه الأمة، ومع ذلك ذكرت لنا كتب السير كثيراً من المشاكل التي حدثت في بيته، حتى إن بعضها دفع النبي ﷺ إلى اعتزال النساء شهراً كاملاً، ﷺ، ورضي الله عنهن.

أختنا الفاضلة: قد فهمنا أن مجموع صفات زوجك جيدة، وأنك -والحمد لله- متفهمة ذلك، وتحاولين بذل جهدك وطاقتك لإعانته على الحياة المستقرة، وهذا شأن الزوجة العاقلة الحكيمة، سيما إذا كان لها منه أولاد، وإذا أمعنا النظر في حديثك وجدنا أن مشاكل الزوج تتمحور فيما يلي:

1- لا يضع معايير يحتكم إليها عند الاختلاف.
2- يصعب عليه الاعتذار.
3- يترك البيت عند الاختلاف.
4- ينفق على أهله ويقتر عليكم.
5- دائم الحديث عن التعدد.

تلك المشاكل لا تعد مفصلية في الحياة الزوجية، ولا يجب أن تجلب الاكتئاب أو كثرة المشاكل، لكن الشيطان المتربص بالبيت حتمًا سيضخم تلك المشاكل، ويسعى ليضيق صدر الزوج والزوجة معًا حتى يصل إلى أهدافه، ولذا ننصحك بما يلي:

1- الزوج خلوق وكريم ومتدين، ولكنه لا يضع المعايير الملزمة، وعليه فضعي أنت تلك المعايير من غير تنصيص عليها، فعند الاختلاف وعدم إرادة الحديث توقفي عن الحديث، وتوقفي عن السرد، وهذا في حد ذاته انتصار، إذ دفع أشد الشريّن يعد نجاحًا في الحياة الزوجية.

2- لا بد من معرفة الأسباب التي تدفع الزوج إلى الهروب من المواجهة أو الحوار، وهي قد تكون إحدى الاحتمالات التالية:
- إما لضعف الحجة.
- أو عدم الرغبة في الجدال.
- أو الخوف من كثرة التفريع الممل التي تنتهجه بعض الأخوات.
- أو الإيمان بأن الجدال سيضخم المشاكل ولا يحلها.
وعليه فمعرفة السبب نصف العلاج، والنصف الثاني هو طريقة التعامل مع السبب.

3- الاعتذار ثقافة لا يؤمن بها الكثير، ولأن الزوج صعب عليه أن يعتذر، فإننا ننصحك بتليين موقفه، وذلك بما يلي:
- إذا أخطأت بادري أنت بالاعتذار، وهذا سلوك عملي يفيد ولو بعد حين.
- تغيير هذا المفهوم السلبي بالحديث عنه بطريق غير مباشر عن طريق بعض الحكماء من أهله، أو شيخ الجامع الذي يصلي معه، أو صديق له عاقل، المهم أن يكون ذلك بعيداً عنك.

4- القبول بالخطأ المحتمل أولى من الدخول في دهاليز ما لا يحتمل، وما يحتمل هو الصمت عند المشكلة حتى تتجاوزوا تبعاتها السلبية، وما لا يحتمل هو خروجه من البيت ونومه عند أهله، ولذا ننصحك بدفع الضرر الأكبر، وإن وقعت في الأصغر حتى تتم المعالجة.

5- نفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج، وهي أعظم عند الله من حق أهله عليه عند التعارض، ولكنا لا ننصحك بالحديث في هذه النقطة، واطمئني (أختنا) فإن الرجل إذا كان كريمًا مع أهله فهو مع أولاده سيكون أكرم، المهم ألا تتحدثي عن نفقته على أهله، بل تحدثي بهدوء وود عن ما ينقص البيت.

6- الحديث عن التعدد هو ديدن أكثر الرجال، وللأسف أكثرهم يفعل ذلك إغاظة للزوجة لا أكثر، فكوني هادئة ولا تظهري له غضبك، وأكثري من الاهتمام به حتى لا يشعر بالتقصير، وهو مع الأيام متى ما رأى أن كثرة الحديث لا تأتي بالمردود المراد؛ سيتوقف عن ذلك.

7- الاكتئاب أكثره من الشيطان، ووسيلة الشيطان في ذلك دفعك إلى نسيان حسناته مع تضخيم سيئاته رويداً رويداً، وحتى تتخلصي من ذلك عليك بما يلي:

- التفكير العميق في حسنات الزوج وتضخيمها في نفسك.
- التهوين من الخلافات، وجعلها أمراً طبيعياً يحدث في كل بيت.
- البعد عن الجدال والمراء ما أمكنك ذلك.
- المحافظة على الصلوات والأذكار الصباحية والمسائية وأذكار النوم.
- قراءة سورة البقرة كل ليلة في البيت أو الاستماع إليها.

احتسبي أجر الصبر على المشاكل والهنات عند الله تعالى، واعلمي أن هذا أحد أبواب الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أَلَاْ أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ؟! كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ، إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا، قَالَت: هَذِه يَدِي فِي يَدِكَ، لَا أَكْتَحِلُ بِغُمضٍ َحتَّى تَرضَى).

المرأة تلك تعلم أنها على حق، ومع ذلك تتجاوز ذلك إرضاء لله تعالى، ولا تحرص على وضع زوجها في الزاوية الحرجة، بل تتعامل مع الله وتحتسب الأجر، وهي بعد ذلك تتجنب كثرة الصراعات وتضخيم المشاكل، وتعمل على تغيير تلك العادات بهدوء عن طريق ما ذكرنا لك من التغيير العقلي والفكري عن طريق الأصحاب، أو شيخ المسجد، أو الرسائل غير المباشرة أو الدعاء، كل هذا مؤذن -إن شاء الله- بتغير الحال.

نسأل الله الكريم أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً