الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محتارة في قبول الخاطب بسبب بعض العيوب البسيطة في جسدي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشعر بإحراج شديد، ولكني لا أجد من ينصحني، فأتمنى إرشادي إلى الصواب -بإذن الله-.

تقدم لخطبتي شاب، وأنا الآن حائرة في أمري؛ حيث لدي تدلٍ بسيط في جلد المنطقة الحساسة، وأعلم أنه يمكن إزالته عند أطباء التجميل، وأعاني أيضًا من هوس نتف الشعر (Trichotillomania)، وعلى أثره لدي بقعة صغيرة خفيفة وقصيرة الشعر في رأسي، لا تُلاحَظ إلا عند تحريك بقية شعر الرأس عنها، مع العلم أن سبب ذلك هو التوتر الناتج عن الدراسة التي أوشكت على الانتهاء منها.

عمومًا، عزمت الآن على عدم نتف شعري، حتى لا يكون مصدر إحراج لي، لكني أصبحت أتحدث بعصبية مع والديّ، وأعلم أن هذا خطأ كبير، وأعمل جاهدة على إصلاحه.

الآن، تحدثني نفسي أني لا أصلح للزواج، وعندما يأتي الخاطب أصبح حادة معه، وحتى أطمئن له، أشعر أنه مُجبَرة على الجلوس معي، أو أنه سيكرهني، ...إلخ. الغريب أني في أوقات أخرى أكون طبيعية، واجتماعية، وطيبة، ومتفائلة، ومطمئنة.

مع العلم أني قاربت على الثلاثين من عمري، وأدرس بالخارج، وأسكن لوحدي معظم الوقت، وأموري -الحمد لله- تسير بشكل جيد، مع أني لست سيدة منزل بدرجة عالية، لكنها معقولة.

أقبلت على الزواج لأجد -بإذن الله- شخصًا حنونًا يعينني على طاعة الله، وأعينه على المثل، وندخل الجنة معًا، ولا أطلب شيئًا إلا أن يعاملني برفق، ولا أهون عليه، ويهتم بأمر ديني.

المشكلة أني استسلمت للكسل والأفكار السيئة وكلام أهلي السلبي، وأخشى من قسوة الحياة الزوجية، لأني حساسة جدًا، وأصبحت عديمة الثقة في نفسي، وأشعر أنه لا فائدة من الكلام مع الخاطب، بل يجب عليّ العزوف عن الزواج حتى لا أنجب أطفالًا غير أسوياء نفسيًا للمجتمع.

هل هذا وسواس؟ وهل يجوز لي الزواج؟ وهل أعالج هذه الأمور بدون إخبار الخاطب، أم أخبره الآن، أم أخبره فقط إذا وجدت أن الموضوع سيتم -إن شاء الله- حتى لا أُحرِج نفسي بلا داعي؟ وكيف يمكنني إيصال هذا للخاطب؟ لأنني حينما أحاول التحدث معه، لساني يتوقف عن النطق، وتعبيرات وجهي تصبح غريبة؛ بسبب ضيق الصدر والإحراج.

أتمنى الإفادة، والدعاء لي بالتوفيق والشفاء العاجل -بارك الله فيكم-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، ونشكر لك هذه الثقة، ونحب أن نؤكد لأبنائنا وبناتنا أن المستشارين والمستشارات في الموقع يعتبرون الشباب والفتيات أبناء لهم، فشكرًا لك على هذه الثقة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُقدّر لك الخير ثم يُرضيك به.

بدايةً: بالنسبة للأمور الطبية أرجو أن تُشاوري فيها طبيبة نسائية ماهرة، ولا أعتقد أنك بحاجة أن تُخبري الخاطب، إلَّا إذا أثبتت الطبيبة أن لهذا الأمر علاقة بالحياة الخاصة بين الزوجين، ونحن نستبعد ذلك، فالعيوب التي ينبغي أن يعلم بها الزوج هي التي تمنع من إتمام العلاقة الزوجية، وإكمال السعادة في هذا الجانب، ولذلك قال مالك: "‌يَرُدُّهَا ‌مِنْ ‌الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَالْعَيْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ".

وما ذكرتيه لا علاقة له بهذا، وهو إلى زوال -بإذن الله تبارك وتعالى-، والطب تطور، فيمكن علاج الإشكالات الموجودة من الناحية الطبية، ولست مطالبة بالإفصاح عنها، وعلى هذا الرجل الذي اختارك أن يُراعي ما ظهر من حالك، ومن حقه أن يسأل عنك، ومن حقك أن تسألي عنه.

أمَّا بالنسبة لمسألة العصبية والتوتر، فيبدو أنها على علاقة بالصِّعاب التي تواجهك في الدراسة، وربما التفكير الكثيف والكثير في مسألة استمرار الحياة واستقرارها، أو البدء في حياة زوجية ناجحة.

مسألة الزواج ممَّا يحتاجه الرجل وتحتاجه المرأة، فهذا تلبية لنداء الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وسعدنا أنك تريدين أن تكون الحياة الزوجية عونًا لك على طاعة رب البرية، وسبيلاً إلى دخول جنة الله، ورضوان الله تبارك وتعالى، وما طلبته من المعاملة برفق من حقك، وهذا هو حُسن المعاشرة، والزوج يحتاج أيضًا إلى حُسن المعاشرة منك، فهذا واجب على الزوجين.

ليس صوابًا أن يخشى الإنسان من أشياء غير موجودة، وقسوة الحياة، نحن نريد أن تنظري للحياة الزوجية وللحياة عمومًا بمنظار ملؤه التفاؤل، فثقي بالله تبارك وتعالى، وأمِّلي ما يَسُرّك، وأحسني الظنّ بربّك تبارك وتعالى، واعلمي أن الحياة الدنيا لا تخلو من الصعاب، لأن هذا طبيعة الدنيا كما قال الشاعر:
حكمُ المنيَّة في البريَّة جاري *** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
طُبعَت على كدرٍ وأنت تريدُها *** صفوًا من الأقذاءِ والأكدارِ
ومكلّف الأيَّامٍ ضدَّ طباعها *** متطلّبٌ في الماءِ جذوة نارِ

لكن هذه الصعوبات في الحياة عامة أو في الحياة الزوجية، ممَّا يستطيع الإنسان تجاوزها بتوفيق الله إذا صدقت النيّات، وركّزنا على الأهداف الكبرى لهذه الحياة.

ابتعدي عن الوساوس، وابتعدي عن التفكير السلبي، وحاولي دائمًا أن تطوري ما عندك من مهارات وقدرات، وتواصلي مع موقعك، واعلمي أن أمر الزواج سهل، وأن الحياة الزوجية يمكن أن تستمر بطريقة طيبة، عندما تُؤسس على تقوى من الله ورضوان، وإذا طرق الباب طارقٌ فمن حقك أن تسألي عنه ويسأل عنك، وتجلسي معه، ويجلس معك، وتتفهما في الأمور الأساسية، فإذا وُجد الانشراح والارتياح والقبول المشترك؛ فإنه (لم يُرَ للمتحابين مثلُ النكاح).

هذا ما نوصيك به، احرصي على طاعة الله، وإذا أصلح الإنسان ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك، وأن يُلهمك السداد والرشاد، وأن يكتب لك الشفاء العاجل، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً